ذكريات مع أخربيش ن تمزكيد قديما بأيت توفاوت

الكاتب : SA-MU بتاريخ : القسم : |
وسط البرد القارس في فصل الشتاء وتحت الامطار الغزيرة لايسع المرء ممن عاش بعض سنواته الاولى بايت توفاوت الا ان يتذكر نعمة – اخربيش – … هذا المكان الذي يسارع اليه ابناء أيت توفاوت قديما كلما اشتد عليهم البرد .و أخربيش ليس مجرد مكان للتدفئة و تسخيل الماء بل يتجاوز هذا الى اعتباره منتدى للنقاش و تدارس القضايا و تبادل الاراء و اخر الاخبار بين رجال و شيوخ القرية ، و الجلوس في اخربيش له طقوس خاصة .. فلابد لكل بيت ان يحضر نصيبه من الحطب المخصص لاشعال النار . ثم يجلس الجميع مكونين حلقة حول هذه النار .

وهناك اناء كبير يكون مشدودا بسلسلة حديدية بسقف اخربيش وهذا الاناء يتم ملؤه بالماء للوضوء .. ثم يبدا النقاش في شتى المواضيع من طرف شيوخ القرية . وكم كنا نحب هذا الجو الدافئ والرائع ونحن اطفال .. وكم كنا مندهشين لطريقة حوار الاباء حيت تتعالى اصواتهم محاولة منهم لاقناع الاخرين بوجهة نظر معينة .

فكثيرة هي الأماكن التي تركت بصماتها في أذهاننا ونفوسنا وأحببناها صغارا وكبارا لأنها تخلد لمرحلة من حياتنا وتؤرخ لذكريات جميلة لن ننساها أبدا ما حيينا .

و اليوم تحول اخربيش هذا المكان المظلم الأسود بفحم النار الى ذكرى و طواه النسيان في جل القرى بايت توفاوت إلا انه لا يزال في نفوس الكثير ممن عايش تلك المرحلة الكثير من الحنين له .

لأن اخربيش لم يكن مجرد مكان عادي للاجتماع ، انه رمز الاتحاد والتضامن و التآخي فهو الذي يجمع أهل القرية الواحدة ويوحد بينهم لتدارس مشاكل قريتهم واتخاذ القرارات المناسبة و فض مشاكلهم أيضا .

ولاشك أن البعض ممن لم يعايشو ن و لا يعرفون اخربيش سيتساءلون عن معنى هذا المكان ،لذا نقول إن اخربيش يطلق على الغرفة المجاور للمسجد في قرى سوس والمخصص لتسخين مياه الصلاة . هذه هي الوظيفة الاولى لأخربيش إلا انه يتجاوزها إلى وظائف اجتماعية وترفيهية أخرى كثيرة حيث توجد به كراسي حجرية مخصصة للجلوس على شكل حلقة دائرية حول موقد النار الذي يعلوه اناء ضخم معلق في السقف .

فأخربيش يتحول في فصل الشتاء إلى مكان محبوب ومفضل خصوصا عندما تهب رياح دجنبر وتلفح الوجوه وتجمد المياه والدماء في العروق فلا يعيد الدفء للجسم إلا جلسة حول النار في اخربيش ، وإياك أن تتأخر وإلا حرمت من مكان للجلوس .

ومما يزيد المكان قدسية وروعة تلك المسامرات والأحاديث الطريفة والنكت والقصص العجيبة والغريبة التي يروها بعض الشيوخ

إما بعد العشاء فيتحول أخربيش إلى نادي للشباب يسهرون فيه إلى وقت متأخر من الليل إما بلعب “الكارطة” أو تبادل أطراف الحديث .

كم هو رائع ذلك الجو الحميمي في اخربيش وأنت تنظر إلى أبناء قريتك مجتمعين صغارا وكبارا شبابا وشيوخا يجمعهم الحب والود والايخاء.

ومن صور الاتحاد التي يرسمها أخربيش توزيع الأدوار بين نساء القرية لإحضار “تاوالا” وتعني نصيبها من الحطب .فكل بيت ملزم بقوة العرف بإحضار كومة من الحطب الذي يستخدم في التدفئة في أخربيش على طول فصل الشتاء .

ومن صور التضامن كذلك تناوب الجالسين في اخربيش على “تسعير” النار أي رمي الحطب كلما أوشكت النار على الإطفاء.


إن أخربيش كان وسيبقى رمزا للدفء والأمن والتضامن والوحدة.


والان اين نحن من تلك العادات العريقة الجميلة .. لقد تشتت الجموع ومات الشيوخ وهجرت – تيمزكيت – واخربيشها …


فيا ليت تلك الايام تعود يوما .



comments powered by Disqus
أكتب تعليقك حول الموضوع :