تتميز قبيلة ايت توفاوت و جل قبائل سوس الامازيغية بان للمسجد ( تيمزيكيد ) ادوار اخرى كثيرة غير العبادة و الصلاة و الذكر و الوعظ والإرشاد إنما له أدوار أخرى كثيرة و متعددة منها التعليم الديني التقليدي حيث كان فقيه المسجد ( الطالب ن تمزكيد) يتولى تعليم الاطفال الصغار القراءة و الكتابة و تحفيظهم القران الكريم و هذا التعليم لم يعد قائما اليوم لكنه كان إحدى المهمات الأساسية لـ ( طالب ن تمز كيد ) قديما بكل قرى ايت توفاوت فمن منا خصوصا جيل ما قبل التسعينات لم يذهب كل صباح الى المسجد ليحمل (تلوحت)ويجلس القرفصاء في باحة المسجد و يبدأ في حفظ ( ألف لام ) و ( تاء تاد إعجمن .. تاء تاد اور إيعجمن ) بصوت مرتفع ...ومن منا لم يلحقه (أكوراي ن سيدي علي ) و( سيدي حماد) ...من منا لم تجري رائحة ( نصنصال د الصمغ) في خياشمه و من منا لم يتأمل الطالب ممسكا بـ ( تادوات د لقلم ) و هو يتفنن في خط تلوحت بحروف و نصوص كنا نحسبها نحن الصغار مجرد ( إيكرّيجن ن طالب ) ..
كم كانت جميلة أيام الطفولة بـ ( تمزكيد ) حين كانت ترتفع اصوت الاطفال في قراءة جماعية كالسمفونية وتتعالى وتختلط الكلمات والآيات ويشتد الحماس بين الصغار لنيل رضا ( الطالب ن تمزكيد) الذي يحب دائما إكرام هؤلاء التلاميد الصغار ( إيمحضارن ) ببعض الطعام مما فاض عن حاجته كبعض الكسكس أو بعض من الخبز الذي يوزعه على الجميع بالعدل ...و يا سبحان الله دائما يكون هذا الخبز لذيذا !!
و بعد صلاة العصر تحل أصعب اللحظات عندما يقترب موعد خروج الاطفال من المسجد حيث يبدأ الاطفال الصغار في استظهار ما حفظوه أمام (الطالب) و ويل لمن لم يحفظ لوحته.. سينال عقابه لا محالة ..إنها لحظة رعب وخوف من( أكوراي ن الطالب). عندما يبدأ الصغار بالاستظهار و بين الحين و الاخر لابد ان تنطلق صرخة أحد الاطفال وقد نال ( أبونيز ) من الطالب ثم ينهال عليه بضربات خفيفة فوق ظهره بعصاه (تكورايت ن طالب ) موبخا إياه لعدم حفظ لوحته ثم يأمره بركن لوحته جانيا لأنه لم يحفظ كي يعيد تكرار قراءتها غدا. أما من استظهر لوحته بنجاح فيهنئه ( الطالب ن تمزكيد ) و يأمره بمحو لوحته غذا بحجر الصلصال و الماء لاعادة كتابتها بنص جديد . و ما إن يتعلم الطفل الكتابة و القراءة حتى ينتقل لحفظ بعض سور القرآن الكريم بالتدرج انطلاقا من قصار السور .
نمودج للوحات حيت كان يتعلم الصغار القراءة و الكتابة و حفظ القرآن الكريم |
و عندما يحل يوم الأربعاء من كل اسبوع من الواجب على ( إيمحضارن ) اي كل طفل يتابع تحفيظ القرآن بالمسجد ان يحضر معه هدية رمزية لفقيه المسجد و تسمى ( تلعربات ن طالب) وكل طفل يأتي بما جادت به يد الام من بيض أو سكر و بعض النقود او بعض الحطب للمسجد .. و مساء هذا اليوم يكون مميزا حيث لا استظهار بهذا اليوم و لا عقاب و يخرج جميع الاطفال مسرورين مرددين الدعاء الشهير طلبا للمطر الذي لقنونا اياه و الذي للاسف لم اعد اتذكر منه سوى بدايته و آخره ( أنزار أسيدي ربي .. توف توميت بوفقوس ) ..إنها بعض من ذكرياتنا الجميلة التي رُسّخت في ذاكرتنا فأحببنا توثيقها ليتطلع عليها الاجيال الذين لم يعيشوا هذه الاجواء الجميلة .